بعد عده سنوات من الحرب، اشتد الصراع في الحديده، وبدت حالة حقوق الإنسان في المدينة الواقعة غربي البلاد في أسوأ حالاتها وكان الفضاء المدني ضيّق بشكل لا يُمكن لأغلب المنظمات الإنسانية من تنفيذ أنشطتها وتدخلاتها بشكل كافي وآمن.

كنت حينها أعمل في منظمة حقوقية محلية في مهمّة باحث ميداني في المدينة المشتعلة صراعا وانتهاكات بحق المدنيين، وكنت حينها أقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بشكل يومي. لقد كُنت أقابل الضحايا والشهود والأقارب في المراكز الإسعافية أو المنازل أو أماكن الوقائع التي حدثت لهم، وكنت أشاهد في عيون من يروي مأساته حسرات وآهات من البؤس والحزن، ولازلت أتذكّر نظرات أحد الرجال وهو شاهد عن ما حدث لشقيقه. كانت نظراته خائفة وصوته منخفض. لقد كان يخبرني وهو يخشى أن يدفع سلامته ضريبة لشهادته، خشية أن يطاله أي عمل انتقامي. لقد كنت أتفهم هذا القلق لأنّ ما قد يحدث لهم أكبر بكثير مما يتخيّله انسان.

كنت أعود إلى المنزل وأنا مُثقل بالهموم والبؤس لما رأيته وسمعته أثناء أداء مهمّة عملي اليومية، وأنا من القلّة القلائل الذين يوثقون فظائع تُرتكب بحق المدنيين. كنت أعتقد، ومازلت، أن ما أقوم به هو مهمة إنسانية أصيلة من أجل عملية تدوين وتوثيق مستقلّة.

لم أسلم من التضييق والترهيب إلى أن تأكّدت مخاوفي عندما قام مسلّحان بزي مدني بتكبيل يدي، وقام أحدهم باخباري أنهم تابعين لجهاز الأمن القومي (الخاضع لسيطرة الحوثيين)، وقاما بإدخالي إلى سيارة ذهبية اللون لأختفي قسرًا لأكثر من شهر وتعيش أسرتي أيام موجعة. لم ينتهي البؤس بإطلاق سراحي، لكنّ موجات التحريض والتشويه كانت تتجدد كل يوم بحقّي حتى مُنعت من العمل حتى لحظة كتابة هذا النص.

لقد سلبت الحرب جزء كبير من صحتي وعافيتي العقلية والجسدية خصوصًا أنني مازلت أتعرّض لاستجوابات من قبل مسؤولين حوثيين حتى الآن. لا أعلم ماذا يريدون منّي لكنني أعلم أن أي صوت مدني ومستقل تعرّض للخذلان من القريب قبل البعيد، سيُفتك به دون رحمة، وهكذا تفعل الحرب.