القصة بسياق أدبي
أخذتني الحرب بعيدًا عن بلدي، وأعاشتني قسوتها، وفرضت عليّ أن أكونَ بلا أهلٍ أو أصدقاء، فقط كائن يستنزف سنواته التي لم يبقَ منها الكثير.
أقيم في الكويت، وأجد نفسي كجسدٍ بلا روح، وفي مساحة تُسمّى مجازًا منزل، عُرضها 8 أمتار وطولها 4؛ بالكاد تستوعبُ شقاوة أطفالي إيفان ولاثينا "سنتين ونصف" وريفا ذات السبع سنوات.
أنجبت زوجتي الأطفال في الكويت ولم يكن أحد بجوارها عداي، كان "اليوتيوب" هو المرشد لي في تعليمي كيف أعتني بها أثناء الحمل والولادة، وكيف أعتني بأطفالي حديثي الولادة؛ لأقاسم زوجتي العناية.
لم أعُد كما أنا، كل شيءٍ تغيّر بي.
أستيقظُ فجرًا، وأرتدي ملابسي بخفةٍ كيلا أوقظ أحدًا، وأغادرُ منزلي متجهًا إلى العمل عبر المواصلات التي أقضي بها ساعتين.
رحلة العمل تبدأ من الجهراء محل إقامتي، مرورًا بالعاصمة، ثم إلى حولّي، وهي مسافة تصل إلى 45 كم، يتخللها المشي تحت أشعة شمس الكويت الحارقة.
أصلُ نحو التاسعة إلى عملي. بالتأكيد هناك شكاوٍ تنتظرني يجب أن أستمع لها، وهناك انتهاكات يجب رصدها. أعمل في منظمة حقوقية تساعد ضحايا الانتهاكات. قلبي المثقل بالمعاناة، يتعاطف مع قصص الضحايا ويحاول مساعدتهم بكل طاقته.
ينتهي عملي في الخامسة، لتبدأ رحلة العودة إلى المنزل. تطالبني ريفا أن أشتري سيارة، لكن كيف يمكن إقناعها أن دخلي الشهري لا يفي بالتزاماتي تجاه أسرتي وأهلي؟ كيف لي أن أخبرها أننا نسكن في منزل ضيق وبعيد، لنستطيع ترشيد النفقات، يا لها من مصطلحات فارغة بالنسبة لطفلة في السابعة.
لقد تركت اليمن مرغمًا. نشاطي المتصل بالحريات الدينية جعلني أبدو كهدف يجب تصفيته. ذهبت إلى السودان لأبدأ من جديد. تزوجت من حبيبة قلبي فاطمة التي كانت قد سافرت وأهلها إلى السودان هربًا من الحرب. كنت وحيدًا في عرسي، كما نحن الآن وحيدون في مجتمع يصعب الاندماج فيه، وحيدًا كما أطفالي الذين حرمتهم الحرب عطف الجد وحنان الجدة ليدفعوا ثمن الحرب مبكرًا، ثمن هجرة والديهما الفارين من وطنهم، ومن طفولتهما المنقوشة على أزقة وجدران صنعاء التي لم تعد تشبهنا أبدًا.
القصة بسياق صحفي
بلا أهل، ولا أصدقاء؛ يستنزف عبدالرزاق العزعزي "38 عامًا" سنواته التي لم يتبقَ منها الكثير. يعيش في الكويت: كجسد بلا روح، وفي منزل عرضه 8 أمتار وطوله 4، بالكاد يستوعب مشاغبة طفليه التوأم إيفان ولاثينا "سنتين ونصف" واختهما ريفا "7 سنوات".
أنجبت زوجته الأطفال في الكويت ولم يكن أحد بجوارها، فقط عبدالرزاق الذي تعلّم في يوتيوب كيف يعتني بها أثناء الحمل والولادة، وبأطفالها الرضّع حين يُسقطها الإعياء.
السابعة صباحًا؛ يرتدي ملابسه بخفة؛ حتى لا يوقظ أحد، بهدوء يغادر المنزل الضيق، متوجهًا للعمل، يشتري تذاكر الباص، يجلس في الكرسي الأخير، يضع على رأسه سماعة؛ ليستمع إلى بودكاست ليساعده في تحمّل ساعتين يقضيهما في المواصلات.
من الجهراء إلى حولّي مرورًا بالعاصمة، هي المسافة التي يقطعها يوميًا والمقدرة بـ45 كم، يتخللها السير على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة. لا يستطيع شراء سيارة بسبب دخله المتدني الذي دفعه للسكن بعيدًا.
في التاسعة يصل إلى العمل: هناك شكاوٍ تنتظره؛ ليستمع إليها، وانتهاكات لرصدها. يعمل لدى منظمة حقوقية تقدم استشارات لضحايا الانتهاكات، ومع أن قلبه مثقلًا بالمعاناة، يحاول تجاوز ذلك حين يتعلّق الأمر بمساعدة المظلومين.
في رحلة العودة للمنزل، يتحدث مع أهله وأصدقائه الذين يشتاق إليهم ولا يستطيع زيارتهم بسبب نشاطه المتصل بالحريات الدينية. "تركت جسدي في اليمن منذ 26 مايو 2015 لكن روحي ما تزال معلقة هناك" يقول عبدالرزاق.
في 16 أغسطس 2015 دفعته الحرب للاحتفال بعرسه وحيدًا في السودان؛ البلد التي فر إليها قبل انتقاله إلى الكويت. لم يكن أحد بجواره سوى زوجته الحبيبة فاطمة، التي ارتبط بها في اليمن قبل أن تشردها الحرب أيضًا، لتستقر رفقة أهلها في السودان. بدموع والدته، والأمنيات المكسورة لوالده؛ احتفل، ثم أنجب أطفاله الذين لم يلتقوا يومًا بأهل والديهم.
هكذا تغلغلت الحرب إلى أطفاله الفاقدين لعطف الجد، وحنان الجدة. لقد دفعوا ثمن الحرب مُبكرًا، ثمن هجرة والديهم الفارين من وطنهم، وذكريات طفولتهم المنقوشة على جدران الأزقة، ليصنعوا ذكريات جديدة، ممتلئة بالبؤس المستمر، والألم المتوارث؛ والحزن الذي لا يغيب.
غالبًا ما يفشل الأشخاص الذين يخططون للحروب ويموّلونها، ويضعون خطط المساعدات ويحاولون التفاوض من أجل السلام، في التحدث إلى الأشخاص الذين يعيشون في قلب كل تلك الأحداث.
قبل فترة طويلة من سيطرة غزة على عناوين الأخبار، كان مصطلح «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» يُشير في كثيرٍ من الأحيان إلى اليمن. وقد خلّفت حرب اليمن المُدمّرة والانهيار الاقتصادي، اللذان بدآ قبل تسع سنوات، مئات الآلاف من القتلى بسبب العنف والمرض والمجاعة ونقص الرعاية الصحية. وتأثر عشرات الملايين غيرهم من الصراع اليمني، لكن قصة ذلك الصراع غالبًا ما رُويت، حتى الآن، على لسان الصحفيين والمنظمات الإغاثية والسياسيين.
كيف اختبر اليمنيّون فعليًا هذه الصعوبات؟ لمعرفة ذلك، طرح مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين سؤالاً واحدًا على اليمنيين: «كيف أثّرت الحرب في اليمن على حياتك؟»
وأجاب عليه أكثر من 100 يمني– من داخل البلاد ومن جميع أنحاء العالم – حيث أرسلوا رسائل بريد إلكتروني ورسائل واتساب وملاحظات صوتية ومقاطع فيديو وقصائد وصور.
تتضمن تلك الرسائل شهادات عن خسارة الأحباب والممتلكات والحياة في المنفى، وما يعنيه العيش في ظل القصف والمعارك البرّية، ولكن هناك أيضًا حكايات عن الحب والترابُط العائلي، والصمود الشخصي والمهني في وجه العقبات التي قد تبدو مستحيلة.
عندما تتصدر وقائع اليمن عناوين الأخبار، فإنها، في كثير من الأحيان، تتحوّل إلى روايات مجهولة الهوية. لنبتعد عن ذلك ونلقي نظرة على الحياة خلف عناوين الأخبار، ونستمع إلى اليمنيين وهم يروون قصصهم، بكلماتهم الخاصة، باللغتين العربية والإنجليزية.
* لا تستطيع وكالة «ذا نيو هيومانيترين» التحقق بشكلٍ مستقل من تفاصيل كل قصة على حدة، وقد تم تحرير الأسلوب والطول ومستوى الوضوح في تلك القصص.
كيف جمع مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين تلك القصص؟
طلبنا من الناس إرسال قصصهم، باللغة العربية أو الإنجليزية، من خلال نموذج عبر الإنترنت، أو عبر البريد الإلكتروني أو الفيسبوك، أو باستخدام رقم مُخصص للتواصل عبر واتساب. وبمجرّد وصول المُشاركات، طلبنا من الصحفيين المحليين جمع القصص من مختلف أنحاء اليمن التي لم يتم تمثيلها بشكلٍ جيد حتى الآن في المشاركات.
لماذا لم يتم نشر جميع القصص؟
لسوء الحظ، لم تتوفر لدينا المساحة الكافية لنشر جميع القصص، لكننا قرأنا كل قصة وردت إلينا.
هل تم تحرير القصص؟
تم تحرير القصص من حيث الأسلوب والطول والوضوح، كما أضفنا القليل من السياق إلى بعض القصص لمُساعدة القرّاء الذين لا يعرفون الكثير عن حرب اليمن، ولم تكن الترجمات بين اللغات ترجمة حرفية دائمًا.
ما الذي سيقوم به مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين في المرحلة القادمة؟
سيستضيف المشروع فعاليات عبر الإنترنت وفعاليات حضورية تتمحور حول المشروع واليمن والصحافة الشاملة. اضغط هنا لتلقي المستجدات.
لدي فكرة لمشروع استماع خاص بي. مع من يجب أن أتواصل؟
يمكنك التواصل مع البريد الإلكتروني yemenlistening@thenewhumanitarian.org واستخدام عنوان الرسالة التالي: «فكرة مشروع استماع». إذا كان لدينا ما يكفي من المتقدّمين، سندعوك لحضور وُرَش عمل مستقبلية حول ما تعلمناه في عملية إنشاء مَشروع الاستماع إلى اليَمنيّين، وسنساعدك على التواصل مع الأشخاص الآخرين المهتمّين بنفس الأفكار.أين يمكنني معرفة المزيد حول اليمن؟
سيطر المتمردون الحوثيون، الذين يُطلق عليهم رسميًا اسم جماعة «أنصار الله»، على العاصمة اليمنية صنعاء في أواخر عام 2014. وفي مارس (آذار) من عام 2015، بدأ تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في قصف الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في البلاد، كجزءٍ من حملة عسكرية لدعم الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا.
يمكنك العثور على جميع مراحل تغطية وكالة «ذا نيو هيومانيترين» للحرب والأزمة الإنسانية في اليمن هنا.
ما هي وكالة «ذا نيو هيومانيترين»؟
«ذا نيو هيومانيترين» هي وكالة إخبارية غير ربحية تسخّر الصحافة عالية الجودة والمستقلة في خدمة ملايين الأشخاص المتضررين من الأزمات الإنسانية حول العالم. نحن ننقل الأخبار من قلب الأحداث والصراعات والكوارث لنشر الوعي بشأن التدابير الوقائية والاستجابة المناسبة.
الإخراج والمونتاج: | آني سليمرود |
تنسيق المشروع: | نهى الجنيد |
الترجمة: | سهى الجنيد ومؤسسة «نـتكلّم» |
إنشاء الموقع الإلكتروني: | مارك فير |
إنتاج محتوى الجمهور: | ويتني باترسن |
الفعاليات: | مات كروك |