أعرف من أين سأبدأ قصتي مع الحرب في اليمن، لكثرة الأحداث بها، ولكن سأتحدث باختصار قدر الإمكان. ومن هنا تبدأ الأحداث. كانت الطائرات الحربية تقصف المعسكر القريب من منزلي بشكل متكرر، وكلما سمعت صوتها، كان ينتابني القلق والتوتر. كنت أخشى أن تخطئ الطائرة الهدف وتقصف منزلي وأفقد أفراد عائلتي. كنت أتخيل الأشخاص تحت الأنقاض ومعاناتهم وتأتي في ذهني الصور التي نراها في التلفاز للأشخاص تحت الأنقاض والركام. كانت الطائرات تقصف بشكل أساسي في الليل، مما يجعلني أعاني من صعوبة في النوم والاستعداد للذهاب إلى الجامعة في الصباح.
تأثر أدائي الدراسي وبدأت أفقد تركيزي وأعاني من الكسل والخمول. تساءلت في كثير من الأحيان عن مستقبلي وما إذا كنت سأتمكن من استكمال تعليمي العالي في ظل هذه الحرب. كنت أشعر بالقلق والأرق المستمر والضغط النفسي الذي أثر على صحتي العامة وعلاقاتي الاجتماعية. أصبحت أفكر فقط في القصف وعدد الأشخاص الذين سيصابون بالأذى من ذلك، وأقول ماذا إذا تم قصف الجامعة؟ أين سأختبئ وأين أذهب؟ كيف سيكون الموقف؟ كنت أتخيل سيناريوهات للحدث.
كنت أشعر بالضغط النفسي والعاطفي الشديد الذي أثر عليّ في تلك الفترة. فقدت بعض أصدقائي بسبب تدهور حالتي المزاجية المتعكرة والمتقلبة. وكل ذلك بالإضافة إلى الحرب وسماع صوت القرآن في المآذن كل صباح ومعرفة أن شخصًا قد توفي جراء الحرب. حتى أصبح الأمر روتينيًا وجزءًا من حياتي اليومية. عندما أستيقظ أسمع صوت المآذن يقرأ القرآن وأعلم أن شخصًا قد توفي. أصبح كل شيء روتينيًا في حياتي، من سماع صفارات سيارة الإسعاف إلى صوت الطائرات الحربية والقذائف. مع مرور الوقت، بدأت أتعود على الأوضاع الصعبة وأصبحت أتجاهل صوت الطائرات والقذائف. أدركت أنه يجب عليّ أن أستمر في مسيرتي الدراسية وأن لا أستسلم للظروف الصعبة. ثم أتت جائحة كورونا وأصبح الأمر من سيئ إلى أسوء من جميع النواحي الدراسية والجامعية. كنت حينها طالبًا في الجامعة، سنة ثانية، وكان الأمر يصبح أكثر فأكثر صعوبة. لم أعلم من أي ناحية أهتم، هل بمستقبلي أو بصحتي أو ضغوطات الحياة أو الحرب. كان الأمر مرهقًا وكانت تمر أيام وأنا في حالة من الاكتئاب حتى فكرت في إنهاء حياتي أكثر من مرة، ولكن الوازع الديني كان في كل مرة يعمل على تراجعي وأذهب الى المسجد للصلاة أكثر وآخذ قدرًا من الروحانية والاسترخاء بقدر ما يمكن. كان هذا ملجئي الوحيد.
وفي فترة من الفترات، انتابني هذا السؤال؟! إلى متى سوف تظل الأوضاع على هذا الحال وكل فترة تزداد الأوضاع سوءًا عما قبل، حتى أدركت أنه علي النهوض والسيطرة على الأمور قدر الإمكان وتقبل الأوضاع، لأنه لا أحد سوف يعطيني يده ويقول لي لتنهض، كانت الناس في حالة تبلد كأنها أصبحت مدينة من الميتين الأحياء. أصحبوا متعودين على كل ما سوف يحصل أو قد حصل. من خلال هذه التجربة، تعلمت أن الإنسان اليمني قادر على التكيف والصمود في وجه الصعاب. عاش الشعب اليمني في ظروف قاسية جدًا، ومع ذلك، استطاع أن يعيش ويتعايش مع الظروف القاسية ويواجهها بالصبر والتفاؤل. كانت هذه التجارب الصعبة تعلمني الكثير عن قوة الإرادة والصمود. بدأت أتعلم كيفية التكيف مع الظروف الصعبة والابتعاد عن التوتر والقلق. قررت أن لا أسمح للحرب أن تحكم حياتي، وأن أستمر في مسيرتي الدراسية رغم كل الصعاب. تعلمت أيضًا أهمية الدعم الاجتماعي والتواصل مع الأصدقاء والأهل، الذين كانوا يقدمون لي الدعم والتشجيع في هذه الفترة الصعبة. في النهاية، عرفت أن الحرب لا يمكننا تجنبها، ولكن يمكننا تجاوز تأثيراتها السلبية على حياتنا. تعلمت أن الصمود والتكيف هما مفتاح النجاح في مواجهة الصعاب، وأن الأمل والإرادة القوية يمكنهما تحويل أصعب الظروف إلى فرص للتعلم والنمو.
غالبًا ما يفشل الأشخاص الذين يخططون للحروب ويموّلونها، ويضعون خطط المساعدات ويحاولون التفاوض من أجل السلام، في التحدث إلى الأشخاص الذين يعيشون في قلب كل تلك الأحداث.
قبل فترة طويلة من سيطرة غزة على عناوين الأخبار، كان مصطلح «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» يُشير في كثيرٍ من الأحيان إلى اليمن. وقد خلّفت حرب اليمن المُدمّرة والانهيار الاقتصادي، اللذان بدآ قبل تسع سنوات، مئات الآلاف من القتلى بسبب العنف والمرض والمجاعة ونقص الرعاية الصحية. وتأثر عشرات الملايين غيرهم من الصراع اليمني، لكن قصة ذلك الصراع غالبًا ما رُويت، حتى الآن، على لسان الصحفيين والمنظمات الإغاثية والسياسيين.
كيف اختبر اليمنيّون فعليًا هذه الصعوبات؟ لمعرفة ذلك، طرح مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين سؤالاً واحدًا على اليمنيين: «كيف أثّرت الحرب في اليمن على حياتك؟»
وأجاب عليه أكثر من 100 يمني– من داخل البلاد ومن جميع أنحاء العالم – حيث أرسلوا رسائل بريد إلكتروني ورسائل واتساب وملاحظات صوتية ومقاطع فيديو وقصائد وصور.
تتضمن تلك الرسائل شهادات عن خسارة الأحباب والممتلكات والحياة في المنفى، وما يعنيه العيش في ظل القصف والمعارك البرّية، ولكن هناك أيضًا حكايات عن الحب والترابُط العائلي، والصمود الشخصي والمهني في وجه العقبات التي قد تبدو مستحيلة.
عندما تتصدر وقائع اليمن عناوين الأخبار، فإنها، في كثير من الأحيان، تتحوّل إلى روايات مجهولة الهوية. لنبتعد عن ذلك ونلقي نظرة على الحياة خلف عناوين الأخبار، ونستمع إلى اليمنيين وهم يروون قصصهم، بكلماتهم الخاصة، باللغتين العربية والإنجليزية.
* لا تستطيع وكالة «ذا نيو هيومانيترين» التحقق بشكلٍ مستقل من تفاصيل كل قصة على حدة، وقد تم تحرير الأسلوب والطول ومستوى الوضوح في تلك القصص.
كيف جمع مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين تلك القصص؟
طلبنا من الناس إرسال قصصهم، باللغة العربية أو الإنجليزية، من خلال نموذج عبر الإنترنت، أو عبر البريد الإلكتروني أو الفيسبوك، أو باستخدام رقم مُخصص للتواصل عبر واتساب. وبمجرّد وصول المُشاركات، طلبنا من الصحفيين المحليين جمع القصص من مختلف أنحاء اليمن التي لم يتم تمثيلها بشكلٍ جيد حتى الآن في المشاركات.
لماذا لم يتم نشر جميع القصص؟
لسوء الحظ، لم تتوفر لدينا المساحة الكافية لنشر جميع القصص، لكننا قرأنا كل قصة وردت إلينا.
هل تم تحرير القصص؟
تم تحرير القصص من حيث الأسلوب والطول والوضوح، كما أضفنا القليل من السياق إلى بعض القصص لمُساعدة القرّاء الذين لا يعرفون الكثير عن حرب اليمن، ولم تكن الترجمات بين اللغات ترجمة حرفية دائمًا.
ما الذي سيقوم به مشروع الاستماع إلى اليَمنيّين في المرحلة القادمة؟
سيستضيف المشروع فعاليات عبر الإنترنت وفعاليات حضورية تتمحور حول المشروع واليمن والصحافة الشاملة. اضغط هنا لتلقي المستجدات.
لدي فكرة لمشروع استماع خاص بي. مع من يجب أن أتواصل؟
يمكنك التواصل مع البريد الإلكتروني yemenlistening@thenewhumanitarian.org واستخدام عنوان الرسالة التالي: «فكرة مشروع استماع». إذا كان لدينا ما يكفي من المتقدّمين، سندعوك لحضور وُرَش عمل مستقبلية حول ما تعلمناه في عملية إنشاء مَشروع الاستماع إلى اليَمنيّين، وسنساعدك على التواصل مع الأشخاص الآخرين المهتمّين بنفس الأفكار.أين يمكنني معرفة المزيد حول اليمن؟
سيطر المتمردون الحوثيون، الذين يُطلق عليهم رسميًا اسم جماعة «أنصار الله»، على العاصمة اليمنية صنعاء في أواخر عام 2014. وفي مارس (آذار) من عام 2015، بدأ تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في قصف الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في البلاد، كجزءٍ من حملة عسكرية لدعم الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا.
يمكنك العثور على جميع مراحل تغطية وكالة «ذا نيو هيومانيترين» للحرب والأزمة الإنسانية في اليمن هنا.
ما هي وكالة «ذا نيو هيومانيترين»؟
«ذا نيو هيومانيترين» هي وكالة إخبارية غير ربحية تسخّر الصحافة عالية الجودة والمستقلة في خدمة ملايين الأشخاص المتضررين من الأزمات الإنسانية حول العالم. نحن ننقل الأخبار من قلب الأحداث والصراعات والكوارث لنشر الوعي بشأن التدابير الوقائية والاستجابة المناسبة.
الإخراج والمونتاج: | آني سليمرود |
تنسيق المشروع: | نهى الجنيد |
الترجمة: | سهى الجنيد ومؤسسة «نـتكلّم» |
إنشاء الموقع الإلكتروني: | مارك فير |
إنتاج محتوى الجمهور: | ويتني باترسن |
الفعاليات: | مات كروك |